أجهزة طبية “مغشوشة” لقياس الضغط والسكر
«ما بنى على باطل فهو باطل، وربما يؤدى إلى الموت».. مقولة تتحقق الآن عبر بعض أجهزة قياس ضغط الدم والسكر «المغشوشة»، التي تباع في الأسواق وبعض الصيدليات.
كما يقول الدكتور أحمد كمال، استشارى أمراض القلب والأوعية الدموية: «هي قنبلة موقوتة لأنها تعطى مؤشرات خاطئة تماما، وبناء عليها يتخذ المريض إجراءات قد تؤدى إلى وفاته»، ويضيف: «كثير من المرضى يأتون إلىّ وقد أقلعوا عن تناول أدوية الضغط لديهم بسبب قياسات خاطئة من هذه الأجهزة المغشوشة، خاصة أن الصيدلى لا يستطيع التفرقة بين الأجهزة المغشوشة أو المطابقة للمواصفات».
«البوابة» استطلعت سوق الأجهزة الطبية الموجودة بمنطقة «السيدة زينب» في القاهرة، أمام مستشفى «قصر العينى» الفرنساوى، التي تعتبر أشهر الأسواق الطبية.
وهناك وجدنا عددًا كبيرًا من المنتجات الطبية التي حظرت وزارة الصحة تداولها، علاوة على أجهزة طبية مهربة دخلت من خلال أفراد، وليس عن طريق «وكلاء معتمدين».
كانت أسعار أجهزة قياس الضغط والسكر متفاوتة بدرجة كبيرة، إذ يتراوح سعر جهاز قياس ضغط الدم الزئبقى بين 350 و550 جنيهًا في بعض المحال، فيما يتباين سعر «الجهاز الديجيتال» بين 150 و200 جنيه.
بعض الأجهزة مدون عليها دولة المنشأ، وتنوعت بين ألمانيا والصين، والبعض الآخر لا يتواجد عليه علامة المواصفات والجودة الأوربية «CE»، ولا حتى المواصفات الأمريكية.
بسؤال أحد الباعة عن التوكيل الخاص بالجهاز، تبين أن الأجهزة الأعلى ثمنا لها توكيل وضمان لمدة عام، والأرخص ليس لها توكيل أو ضمان، وليست لها مواصفات، ما يؤكد وجود تلاعب في عدد كبير من الأجهزة خصوصا المغشوش منها.
الشيء الغريب أن تلك المنطقة قريبة من كل المصالح الحكومية، فهى تقع أمام نقابة الأطباء، فلا يفصل بينها سوى أمتار قليلة، وبجانبها في شارع قصر العينى توجد وزارة الصحة، التي من المفترض أن تراقب تلك المنطقة، إضافة إلى نقابة الصيادلة، ووزارة التموين، وجهاز حماية المستهلك، ومع ذلك لا أحد من هذه الجهات الحكومية يفكر في الذهاب لتلك المنطقة كى يراقب الأجهزة التي تباع، ويرى إذا كانت مطابقة للمواصفات أم لا.
تجارة أجهزة قياس الضغط والسكر لم تقتصر على سوق المستلزمات الطبية بقصر العينى فقط، لكنها امتدت عبر الإنترنت على صفحات موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك».
تواصلنا مع أحد تجار هذه الأجهزة عبر الموقع، ويدعى وحيد فوزي، صاحب شركة للأجهزة الطبية، وعرض علينا جهازا لقياس السكر بالدم، كورى الصنع «جلوكودكتور»، يقول: «الجهاز يخزن آخر ٢٥٠ نتيجة قياس بالوقت والتاريخ، مع حساب متوسط كل النتائج من يوم وحتى ٢٨ يومًا»، ويضيف: «سعر الجهاز يصل إلى ٢٥٠ جنيها».
حينما سألناه عن وجود العلامة «CE» الأوربية أو الأمريكية «FBI»، يؤكد أن «الجهاز مطابق للمواصفات العالمية، لكنه لا يحتوى على هذه العلامات».
عرض علينا جهازا آخر لقياس ضغط الدم، بسعر ٢٥٠ جنيها، بضمان ٣ سنوات، والجهاز ألمانى الصنع، وهو جهاز «ديجيتال»، ويخزن ٨٥ قياسا، لكنه لا يحتوى على المواصفات الأوربية.
هذه الأجهزة تهدد حياة من يستخدمها من بين ما يقرب من ٢١ مليون مصابا بأمراض السكر والضغط، ويقول محمد إسماعيل، رئيس شعبة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية: إن أجهزة قياس الضغط والسكر الموجودة في مصر كلها مستوردة من الخارج، وتعتبر الصين أكبر مورد لها، لأن أسعارها تكون في متناول الجميع، ويأتى بعدها ألمانيا وبعض الدول الأوربية.
وحينما سألناه عن المواصفات القياسية السليمة لجهاز قياس الضغط أو السكر، أوضح: «مصر لا يوجد بها مواصفات قياسية لأى مستلزم طبي، لا يوجد لدينا مواصفات قياسية غير للسرنجة، وهى مواصفات قديمة مأخوذة من المواصفات الأوربية».
وواصل: «في أجهزة قياس الضغط والسكر نعتمد على ربنا أولا، ثم المواصفات الأوربية وهى «CE» أو المواصفات الأمريكية «FBI»، وهذه المواصفات موجودة في معظم الأجهزة في السوق المصرية، ولا بد أن يكون الجهاز حاصلا على إحدى هذه العلامات»، وأدرف: «قبل أن نتحدث عن الأجهزة المغشوشة لقياس الضغط والسكر لا بد أن تعرف أن مصر لا يوجد بها نظام طبى سليم من الأساس، فأى نظام طبى سليم يبنى على شيئين، هما الوقاية والعلاج، ولدينا المسئول عن الوقاية هو المسئول عن العلاج، ومن ثم لا وجود لأى منظومة طبية سليمة».
ويوضح أن هناك نوعين من أجهزة قياس الضغط والسكر في مصر، جزء منها «مغشوش»، النوع الأول هو «الديجيتال»، ويأتى من الصين وألمانيا، ويوجد بكثافة في الأسواق المصرية، وسعره مرتفع، حيث يصل إلى ٥٠٠ جنيه، ولو قل عن ذلك يصبح الجهاز مغشوشًا، وهو يعتبر أخطر أجهزة قياس الضغط، وقياسه يكون أعلى عن مستوى ضغط المريض بنسبة ٥٪، مما يؤثر على المريض إذا كان ضغطه منخفضا مثلا.
هذا النوع يستطيع أن يستخدمه المريض بمفرده، دون شخص مختص وهنا تكمن الخطورة، لأنه على حد قول «إسماعيل»: «لو المريض يده مش ثابتة، وتحركت وهو يقيس ضغطه بالجهاز «الديجيتال»، يحدث تحرك في مؤشر الجهاز يضيف زيادة لنسبة الـ٥٪، ما يعطى نتيجة خائطة لنسبة ضغط الدم عند المريض، وقد يموت فيها، لو قاس ضغطه بـ«الديجيتال» وكان ١٨٠ فهذا معناه أنه ١٩٠، لكن المريض لن ينتبه لذلك، ما يؤثر عليه وتحصل له جلطة في المخ، لأنه لم يتناول الدواء بشكل عاجل لتقليل نسبة الضغط».
الخلاصة: إن «كل أجهزة قياس الضغط المستوردة ليس لها ضمان، لكن الوكيل يقول للصيدلى هناك جهاز جديد فيحصل عليه فورا».
الأرقام التي حصلنا عليها تقول: إن بمصر نحو ٣ آلاف و١٠٠ شركة تنتج الأجهزة والمستلزمات الطبية، ولدينا ٨ آلاف و٥٠٠ صنف وجهاز طبى، من بينها جهازا قياس الضغط والسكر، ولكل نوع من هذه الأجهزة ١٥ شركة، تقوم إما بتصنيعه محليا أو باستيراده من الخارج، وهذا يعنى أن هناك ٣٠ شركة متخصصة في استيراد هذه الأجهزة في مصر.
ويقول رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية، أحمد شيحة: إن الأجهزة الطبية المستوردة بصفة خاصة لا بد أن تمر على أكثر من مرحلة، كى يتم دخولها البلاد، تعرض على هيئة الرقابة على الصادرات والواردات، كى تكون مطابقة للمواصفات، كما تعرض على هيئة الإشعاع الذري، لكن الأجهزة الطبية المغشوشة وخصوصا أجهزة قياس الضغط والسكر، لا تدخل البلاد بطرق شرعية، ولكن تدخل عن طريق التهريب، وليس لشعبة المستوردين دور في ذلك.
من جانبه، يؤكد اللواء عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك، أن الجهاز يضبط عددا من الأجهزة الطبية الرديئة المتواجدة في الأسواق، بالتعاون مع مباحث التموين، ويقول: «هناك حملات مكثفة للمستلزمات الطبية الرديئة، ومنها الأجهزة الطبية الخاصة بقياس الضغط، وهذه الأجهزة لا بد أن تكون حاصلة على موافقة من وزارة الصحة››.
وحصلت على مستند آخر من مباحث التموين حول عدد من الأدوات الطبية والأدوية المغشوشة التي تم ضبطها خلال الفترة من أغسطس ٢٠١٤، وحتى ٢٢ فبراير من عام ٢٠١٥، يكشف أن عدد الأجهزة الطبية التي من بينها أجهزة قياس الضغط والسكر، التي لم يعثر بها على مستندات تفيد بمشروعية حيازتها، ومجهولة المصدر، وغير مدون عليها بلد المنشأ، التي وصلت إلى ٥٢٣ ألفا و٥٩٩ قطعة، و٢١ جهازا و٢٢ ألفا و٥٧٥ عدسة لاصقة، و١٧١ لترا من المستلزمات، وقامت مباحث التموين بتحرير ١٤٠ محضر لتلك الكمية.
وبرغم المضبوطات التي نتجت عن حملات مباحث التموين من الأجهزة الطبية المغشوشة، وجدنا أثناء تواجدنا في سوق قصر العيني، الذي يعد أشهر أماكن بيع الأجهزة الطبية خاصة أجهزة الضغط والسكر، كثيرا من تلك الأجهزة.
ويوضح الأمين العام لنقابة الصيادلة، الدكتور عبد الله زين الدين، أن عدد الصيدليات في مصر حتى الآن وصل ٥٥ ألف صيدلية، فيما يوجد بالنقابة ١٨٧ ألف صيدلي، مضيفًا أن الصيدلى يخدم المواطنين من خلال قياس مستوى الضغط أو السكر لديهم بأسعار زهيدة، بسبب عدم إقبال مرضى السكر على عيادات الأطباء المتخصصين، بسبب التكلفة العالية للكشف، مما يجبره على الذهاب إلى الصيدلية للحصول على هذه الخدمة من الصيدلى.
ويضيف: «أنا كصيدلى مش هاتعمد اشترى جهاز بايظ علشان أغش بيه الناس، لكن أمر وارد اتغش مثل باقى الناس، إحنا مش فنيين كصيادلة في فحص في هذه الأجهزة، لكن أجهزة قياس الضغط والسكر المغشوشة مش دور الصيادلة، لأن فيه جهات هي اللى بتستورد هذه الأجهزة، مرخص لها باستيرادها، والمفترض قبل نزول تلك الأجهزة للأسواق تكون مرت على جهات رقابية لفحصها وترخيصها كى تتأكد من سلامة وجودة هذه الأجهزة، وجهاز حماية المستهلك والإدارة المركزية لشئون الصحة هي التي تقوم بالرقابة».
أما مدير برنامج الحق في الصحة، الدكتور علاء غنيم، فيؤكد أن أجهزة قياس الضغط والسكر توجد بكثافة في الصيدليات، والمستشفيات، وعيادات الأطباء، وأن هناك بعض الرقابة على المستشفيات، لكن الصيدليات لا توجد عليها رقابة من الدولة، ومن يقوم بقياس الضغط أو السكر للمريض غالبًا ما يكون شخصا غير مدرب أو ليس صيدليا من الأساس، كما أن الصيدلى لا يستطيع معرفة إذا كان الجهاز الذي يستخدمه سليما أم مغشوشا، كل ما يهمه هو أخذ ثمن قياس الضغط أو السكر للمريض
26 – March – 2015