Warning: Undefined array key "rcommentid" in /customers/6/5/f/pcm.me/httpd.www/wp-content/plugins/wp-recaptcha/recaptcha.php on line 348 Warning: Undefined array key "rchash" in /customers/6/5/f/pcm.me/httpd.www/wp-content/plugins/wp-recaptcha/recaptcha.php on line 349
سوريا
تعرضت الصناعة الدوائية في سورية لكارثة كبرى مع تصاعد الحرب المشتعلة في البلاد منذ أكثر من عامين. فبعدما كانت سورية تصنع محلياً حوالي 90% من حاجاتها للدواء حسب منظمة الصحة العالمية، وتحتل المرتبة الثانية عربياً في صناعة الدواء وتصدره لقرابة 57 دولة حول العالم بإيرادات وصلت لحوالي 220 مليون دولار قبل الأزمة، تراجعت نسبة الإنتاج المحلي للدواء إلى ما بين 60-70% وفقاً للتصريحات الحكومية والتي تشير الوقائع إلى أنها غير دقيقة، نظراً لتضرر معظم معامل الأدوية في مختلف المناطق جراء أعمال القصف العنيفة لا سيما في محافظات حمص وريف دمشق وحلب والتي يوجد فيها قرابة 90% من معامل الأدوية السورية. ووفقاً للإحصائيات المتوفرة فإن أكثر من 18 معملاً قد توقف تماماً، وما تبقى منها يعمل بطاقة إنتاجية تتراوح ما بين 10-60% نظراً لصعوبة العمل في ظل تدهور الظروف الأمنية وارتفاع تكاليف الإنتاج.
وحسب التصريحات الحكومية فإن حوالي 75% من الأدوية أصبحت مفقودة في دمشق وريفها، نظراً لتراجع الإنتاج، واحتكار بعض التجار للأدوية المفقودة، بحيث يقوم هؤلاء بنشاط مافيوي يتمثل بإلزام الصيادلة بشراء عدة أصناف من الدواء غير المطلوب أو القريب من انتهاء صلاحيته في مقابل بيع الأدوية المفقودة لهم. ومن أبرز الأدوية المفقودة والتي تختلف نسب فقدانها من منطقة لأخرى، هي الأدوية المخصصة للأمراض التنفسية والذبحات القلبية وأمراض الغدد وارتفاع الضغط الشرياني… والقائمة تطول.
الخطير في الأمر أن الأدوية المفقودة محلياً يتم تعويضها من خلال الأدوية المهربة مجهولة المصدر وغير الخاضعة للفحوص الصحية المطلوبة والتي يرتفع سعرها بمعدل وسطي يصل إلى ستة أضعاف. وهذا أمر بديهي مع حالة الفلتان الأمني في معظم المناطق والنقص الكبير في توفر الدواء خاصة في المناطق الساخنة والتي تتعرض للقصف. لا سيما أن الحكومة قد توقفت عن تمويل المستوردات من المواد الأولية اللازمة لصناعة الدواء برغم تحذيرات مجلس الصناعة الدوائية من أن هذا سيؤدي لاحقاً لتوقف إنتاج المعامل بشكل كامل مما سيرتب على الحكومة استيراد أدوية من الخارج بقيمة 1.5 مليار دولار لتعويض توقف الإنتاج المحلي وسيفتح الباب لإغراق السوق بالمزيد من الأدوية المهربة، من دون أن تلقى هذه التحذيرات أي إصغاء من الحكومة، فسلامة المواطن والحفاظ على الصناعة الوطنية هي آخر ما يمكن أن تفكر به.
أما عن الأدوية المتوفرة في الصيدليات، فأسعارها اليوم تختلف من منطقة لأخرى، ومن صيدلية لأخرى، بحيث أصبحت الأدوية أشبه بالسلع المحررة والتي يتذبذب سعرها تبعاً لتوفر الكمية المعروضة منها ومقدار الطلب عليها، في ظل تهاون حكومي كبير عما يجري من تجاوزات من قبل تجار الأدوية وبعض الصيادلة الذين أصبحوا مجرد باعة سلع. فالدواء الذي كان سعره 40 ليرة تبيعه بعض الصيدليات بسعر 150-175 ليرة، أما الأدوية التي كانت تباع بسعر 200 ليرة، يتجاوز سعرها اليوم 400 ليرة. واللافت في الأمر أن بعض الصيادلة يقومون عند بيع الدواء للمريض بشطب السعر الرسمي المدون على العلبة، ووضع سعر بديل فوقه، وإذا كانت هذه الحيلة تنطلي على بعض المواطنين، يحتج البعض الآخر على وضع السعر بشكل غير مشروع، ويكون جواب الصيدلي بأن السعر المدون قديم وتكاليف الدواء قد ارتفعت من قبل المصنعين والتجار الموزعين للدواء. وبين الصيدلي والتاجر والصمت الحكومي، يضيع المواطن في لعبة تبادل الاتهامات ولا يملك في نهاية الأمر سوى شراء الدواء.
أزمة الدواء لا تحمل طابعاً إنسانياً فقط، بل تحمل أيضا نتائج كارثية على الاقتصاد، فنقص توفر الأدوية وغلاء أسعارها يهدد حياة المواطنين ويعمق من انهيار أحوالهم المعيشية، كما أن ارتفاع التكاليف وتوقف المعامل المحلية عن العمل ستدفع نحو ازدياد نسبة البطالة لاسيما من الخبرات والكفاءات العلمية العاملة في مجال صناعة الدواء والتي قد لا تجد أمامها سوى الهجرة. كذلك، سيصبح الاستيراد مادة احتكارية جديدة لتفقد سوريا حتى أمنها الدوائي.
11-Dec-2013