Warning: Undefined array key "rcommentid" in /customers/6/5/f/pcm.me/httpd.www/wp-content/plugins/wp-recaptcha/recaptcha.php on line 348 Warning: Undefined array key "rchash" in /customers/6/5/f/pcm.me/httpd.www/wp-content/plugins/wp-recaptcha/recaptcha.php on line 349
د.سيف الله إمام
الاقتصاد وحدة واحدة، وتنطبق عليه نظرية الأواني المستطرقة، فأي زيادة هناك يتبعها تغيير هنا وأي نقص في جانب ما يتأثر به جانب أو جوانب أخرى … ولما كانت مهنة الصيدلة لها طابع تجاري (حيث أن أغلبية الصيادلة من العاملين بقطاع الصيدليات) الأمر الذي يتطلب حسابات للربح والخسارة والبيع والشراء والتكلفة والمخرجات والمدخلات فإن تأثر المهنة بأرقام الاقتصاد المصري تأثر مباشر، ويمكن رصدها بوضوح، إضافة إلى أننا نقابة ترتبط بصناعة وهي صناعة الدواء، والتي تمثل صناعة استراتيجية (وفي كثير من التقديرات ثاني صناعة في العالم بعد صناعة السلاح) فإن أي تغيير في مدخلات هذه الصناعات تنعكس نتائجه على الصيادلة.
وهكذا فإن لكل مهنة طابعها وخصوصيتها ولكل مجموعة نوعية خصائص مشتركة تحدد إلى حد كبير طبيعة مصالحها وتحركاتها تجاه هذه المصالح.
فعندما نتحدث مثلا عن الضرائب والتي (هي تمثل تقريبا القضية رقم 1 للصيادلة) بأنه لا يمكن التعامل مع هذه القضية دون معرفة كونها وأرقامها بل دورها في الميزانية العامة للدولة، وما تمثله من موارد أساسية لها، وأين يقع النشاط الصيدلي منها، لتحديد المصالح النسبية للصيادلة، والحدود التي يمكن الضغط فيها لتحقيق مصالح الصيادلة، دون الاصطدام بثوابت أساسية في التوجه الضريبي.
وبالنظر لميزانية العام الماضي (2008-2009) ( ومع وضع تقريبات للأرقام بها) نجد أن الموارد تتراوح حول 250 مليار جنيهاً، في حين أن المصروفات حوالي 350 مليار، أي أن هناك عجز قرابة الـ 100 مليار جنيهاً، حيث أن أعباء الميزانية متمثلة في عدة بنود كبيرة الديون، والتي وصل إجماليها حوالي تريليون جنيها مصريا (الداخلية منها حوالي 760 مليار جنيه والخارجية المقدرة بـ أكثر من 30 مليار دولار) بما يوازي 100% من الناتج القومي المصري، والذي جعل نصيب الفرد من هذه المديونية حوالي 10.000 جنيهاً، كما أن حصيلة فوائد وأقساط الديون سنويا تمثل 75 مليار جنيهاً، هذا إضافة إلى ما تقول به الحكومة من بلوغ الدعم إلى 80 مليار (20 مليار للسلع ، 60 مليار للمنتجات البترولية)، وأجور العاملين بالدولة إلى أكثر من 90 مليار، كل هذا العجز يحتاج إلى من يسده .
وإذا نظرنا من زاوية أخرى، وهي موارد هذه الميزانية، فسنجد أن القطاع الأعظم فيها ممثلا في الضرائب ( سواء أكانت ضرائب عامة أو مبيعات)، فضريبة المبيعات تحقق حوالي 50 مليار، والعامة أكثر من 95 مليار، في حين أن الجمارك لا تزيد عن 15 مليار، وهيئة عريقة كقناة السويس لا تزيد عن 25 مليار، وكذلك قطاع البترول أو الهيئات الاقتصادية الأخرى…
وعند معرفة تفاصيل الجهات المحصلة منها الضريبة العامة (95 مليار) وأين يقع الصيادلة منهم، نجد أن الأرباح التجارية على الشركات تمثل المورد الأكبر (75%)، أي ما يقرب من 70 مليار جنيهاً، في حين أن قطاع الموظفين سواء أكانوا في الجهاز الإداري للدولة (والذين يبلغ عددهم حوالي 6 مليون موظف) أو بقية الموظفين في القطاع الخاص (والذي لا يقل عددهم عن 6 مليون أخرى) فإن الضرائب المحصلة منهم لا تصل إلى 10 مليار جنيهاً، وأصحاب المهن الأخرى (كالأطباء والمهندسين والمحامين … )، وللأسف ليس من بينهم الصيادلة، لا يزيد عددهم عن 500 ألف مهني، ولا يدفعون ضرائب أكثر من نصف مليار جنيهاً، وتبقى الشريحة التي ينتمي إليها الصيادلة وهم المسمّون بالأشخاص الاعتياديين من أصحاب المشروعات الصغيرة كالصيدليات أو أصحاب الحرف المختلفة أو المحال التي يمتلكها ويديرها أفراد وليست شركات فإن هذه الشريحة تمثل 5 مليون شخص (أو ممول بالتعبير الضريبي)، وأن الضرائب المحصلة منهم تصل إلى 5 مليار جنيهاً، يساهم الصيادلة فيها بما يقرب من 300 مليون جنيهاً (إذا ما حسبنا أن متوسط الضريبة يمثل حوالي 2% من مبيعات الصيدلة ، وأن إجمالي الدواء المباع في مصر بلغ 15 مليار جنيه عام 2009) .
لعل هذه الخريطة الضريبية رغم ما بها من خلل، وعدم وجود ضرائب تصاعدية على أرباح الشركات التجارية (وهو نظام متبع في أكثر بلاد العالم رأسمالية حيث تصل إلى 36% في أمريكا و42% بفرنسا و48% بالسويد وهكذا …. )، واكتفاء وزارة المالية بما تأخذه من الشركات التجارية، وتصريحات السادة المسئولين بها التي تفيد أن هذه الشركات تؤدي ما عليها، وأن 80% من حصيلة الضرائب يدفعها 20% من الممولين، هو الذي حدا بمصلحة الضرائب إلى الالتفات إلى شريحة أخرى من الممولينن والذي يمثلون أصحاب المنشآت الصغيرة والفردية مثل الصيدليات ومحال البقالة والعلافة والجزارة والأسمدة والألبان …. وغيرها، إضافة إلى الحرفيين من سباكة ونجارة وحلاقة وخلافه، بافتراض أن هذه الشريحة يمكن أن تدفع أكثر مما هو عليه الآن، وأنها تمثل من حيث العدد شريحة كبيرة (أكثر من 5 مليون ممول)، على الرغم من أن مجمل نسبة ربح معظم هذه الأنشطة قد حددتها الضرائب بنسبة تتراوح بين 15-20% (وليس فقط الصيادلة والمحدد هامش ربحهم بـ 15.19%).
مثل تجار الأعلاف والحبوب 15%- الطيور الحية 15% – الألبان 20%- المبيدات والأسمدة 15%- تجارة الأسماك 18%- الجزارة 5% كصافي ربح………..
ورأت مصلحة الضرائب حصر هذه الفئة ضريبيا وضبطها من خلال عدة وسائل على رأسها “الفوترة”، وإلزام صاحب كل سلعة أو خدمة بإصدار فواتير لكل جزئية يبيعها أو خدمة يقدمها، مظنة أن ذلك سيحقق لها عائد أفضل في ظل عجز الميزانية المتزايد سنويا .
إلا أن المسئولين بوزارة المالية ومصلحة الضرائب غاب عنهم أن القطاع الأكبر من هذه الشريحة تحتاج إلى من يدفع لها من الضريبة المحصلة لا أن تؤخذ منها ضريبة، بالذات في ظل نسب التضخم سنويا (أخر تقدير لجهاز الإحصاء يقر بأن زيادة الأسعار هذا العام بلغت 22%)، وأن حال معظم هؤلاء الأشخاص الاعتياديين لا يزيد كثيرا عن قطاع الموظفين والذي يبلغ عددهم 12 مليون عامل وموظفة بمصر، والذين لا يدفعون أكثر من 8.5 مليار جنيهاً، وهي تقريبا نفس النسبة التي يمكن أخذها من الأشخاص الاعتياديين، كما أن النظم الضريبية العالمية والتي قد تكون لديها بنية تحتية جيدة لضبط المجتمع الضريبي وانتظام إصدار الفواتير (نظرا لتوفر المنظومة الكاملة التي تتيح للجميع الحصول على ماله وعليه ) لم تمثل هذه الشريحة مورداً كبيراً لموازنات هذه الدولة (كنسبة من إجمالي الموارد ) .
فعلى الرغم مما تشيد به الحكومة من تطور الأداء الاقتصادي وضرورة انعكاس ذلك على موارد الدولة، إلا أننا نجد تأخراً شديداً في موقع مصر في كافة الترتيبات العالمية، بما فيها صناعات أو خدمات توليها الدولة رعاية خاصة، فالسياحة مثلا والتي زاد عدد السياح فيها على 12 مليون سائح تمثل عائد حوالي 10 مليار دولار سنوياً، إلا أن ترتيب مصر عالميا في السياحة لا يتجاوز المركز 21، في حين تأتي فرنسا بالمركز الأول بـ 80 مليون سائح، ثم أمريكا بـ 60 مليوناً، ثم أسبانيا فالصين التي يزورها سنويا 50 مليون سائح، مرورا بتركيا التي يزورها ضعف عدد السياح الذين يزورون مصر (حوالي 25 مليون سائح يزورون تركيا سنويا ).
وفي قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتي بلغ حد نموها السنوي 13%، فإن عدد مستخدمي الإنترنت في مصر 12 مليوناً ( في حين أن مستخدمي المحمول تجاوز الـ 65 مليون )، ونسبة مستخدمي الإنترنت في مصر لا تتجاوز 10% من عدد السكان، في حين في أمريكا تجاوز 75%، وكذلك في كافة دول أوروبا، وفي الصين بلغت النسبة 25%، مما يجعلها من الأكثر عددا إذا ما نسبت هذه النسبة إلى تعداد الصين.
إن الحالة الاقتصادية التي تعيشها البلاد وتتحدث عنها المجموعة الوزارية الاقتصادية بتحقيق معدلات نمو غير مسبوقة، هو كلام يفتقد للواقع والمصداقية معا، فإن ما تتحدث عنه الحكومة من تحقيق معدلات نمو بلغت 7% وأنه لولا الأزمة المالية العالمية التي أدت إلى انخفاض هذا المعدل إلى 4.7% العام الماضي أمر فيه نظر.
فإن معدل النمو 6% لم يكن جديدا، ففي الستينات تجاوزت 6% في أربع سنوات حتى 1964م، ثم تراجعت مع حرب 67 وغلق قناة السويس ثم عادت عام 74 لتحقق 8- 9% مع المعونات العربية ما بين 76 – 1982 م، وفي الثمانينات تراجعت هذه النسب مع تراجع أسعار البترول وتحويلات المصريين والإرهاب، حتى جاءت حرب الكويت 1991م وزادت التدفقات العربية وبدء برنامج الإصلاح الاقتصادي الأول 92-98 مع الاستقرار النقدي وانخفاض العجز في الموازنة وتحقيق معدل نمو 4-5%، ثم جاءت 99م مع الأزمة المالية الأسيوية وتناقص السياحة وانخفاض أسعار النفط، ثم في عام 2004 وحتى 2006 وصل معدل النمو 7% ، وهكذا ظل الاقتصاد متأرجحا علوا وانخفاضا .
الأمر الذي ينبغي أن تتبنى من أجله وزارة المالية سياسة أو استراتيجية مختلفة، لا تنحاز فيه لأصحاب الشركات تحت دعوى تشجيع الاستثمار، باعتباره القاطرة التي تقود الاقتصاد والتنمية، إلا أن الواقع يقول إن بعد مرور فترة من الزمن اكتشف الجميع أن القاطرة تسير وحدها بينما تركت خلفها بقية عربات القطار متأخرة عنها بأميال عديدة.