أدوية دون عبوات.. ودون أسعار.. ودون نشرات؟
كثيرة هي الشكاوى التي ترد عن الدواء، سواء من حيث توفره أو من حيث أسعاره، أو من حيث التلاعب به أو بمواصفاته.. وبالطبع الأدوية المفقودة أو القليلة في السوق المحلية وفق آخر التصريحات الصادرة عن مصدر في نقابة صيادلة دمشق ليست بقليلة، فقد ذكر المصدر في إحدى الصحف المحلية أنواعاً كثيرة مفقودة أو قليلة تبدأ من شراب السعال الخاص بالأطفال، انتهاء بقطرات معالجة العيون.
الأدوية في السوق متوفرة والنقص لا يشكل 3%..
ولكن ما سمعناه من مصدر مطلع في نقابة صيادلة ريف دمشق كان مختلفاً على الإطلاق، فقد أكد المصدر لـ(النور)، أن نسبة الدواء المفقود في السوق المحلية والذي لا يوجد له بديل لا تتجاوز 3%، مشيراً إلى أن بقية أنواع الأدوية المفقودة في السوق المحلية يوجد لها بديل، لذا لا يمكن الحديث عن أن هناك نقصاً في الأدوية ضمن السوق المحلية.
وقال أيضاً: (إذا طلب المريض دواء للسعال، يوجد دواء، وإذا أراد دواء للسرطان يوجد دواء، وإذا طلب دواء للعين يوجد دواء، ولكن ليس بشرط أن يكون الدواء نفسه الموصوف من الطبيب.. فهناك العديد من الأدوية التي يمكن أن تحلّ محله، ولكن المريض أصبح لا يأخذ إلا الدواء الذي اعتاد عليه ولا يريد البديل عنه، وفي حال لم يجد الدواء من حيث اسمه أو شكله أو لونه، فإنه يقول بأن الدواء فُقِدَ من السوق، وهذا ما يحدث.. بمعنى أنه يجب على المريض أن لا يتعنت بالدواء الموصوف له فقط، بل هناك بدائل له).
وأشار المصدر إلى أن الدواء في السوق متوفر ولا يوجد كما يقال نقص في الأدوية، والأدوية التي فُقدَت بالأسواق ولا يوجد لها بديل ليست مهمة كثيرة، ولا تشكل خطراً على صحة المواطن.
وعن قضية عدم تغليف الدواء بعبوات، أوضح المصدر، أن المهم في الأمر هو توفر الدواء وليس توفر غلافه أو عبواته، إذ يوجد صعوبة في تأمين المواد الأولية الخاصة بصناعة العبوات الخاصة بتغليف الأدوية.. وبالطبع المواد الخاصة بالتغليف مستوردة وتكلّف المعامل، في حين اتجهت معامل الأدوية إلى توفير مستلزمات صناعة الدواء.
وأكد المصدر أنه لا داعي للقلق أبداً بالنسبة للأدوية، مشيراً إلى أن الأمور في تحسن، وأن الدواء يقبل على الوفرة في الأسواق، وأن المواطن حالياً يعاني قليلاً في صعوبة الحصول على دواء معين، إلا أنه في نهاية المطاف يجده، وفي الأيام القادمة ستتحسن سوق الدواء أكثر.
تلاعب بأسعار الأدوية وكمياتها
أحد المواطنين أوضح لـ(النور) أنه يواجه صعوبة بالغة في تأمين دواء خاص بالأمراض المزمنة المتعلقة بأمراض الأعصاب، إذ إنه قام بالبحث في أغلب الصيدليات إلا أنه لم يجده، كما أشار إلى أن أسعار الدواء أصبحت تختلف من صيدلية إلى أخرى، ويصل الفرق في بعض الأحيان لحدود 50 ليرة وربما أكثر، والأغرب من ذلك أن الدواء أصبح يباع في الصيدليات دون عبوات، فلم يعد المريض يعلم تاريخ صلاحية الدواء، ولم يعد يعلم عدد الأقراص التي يجب أن يحتويها الدواء، ولم يعد يعلم أيضاً الإرشادات التي يجب أن يتبعها أثناء المعالجة.. فالنشرة التي كانت تصاحب الدواء أصبحت غائبة كلياً في ظل عدم وضع الأدوية ضمن عبواتها الكرتونية، وبالتالي فتح مجالاً كبيراً للتلاعب بالدواء، سواء من حيث عدد الأقراص أو من حيث السعر والصلاحية.
وأشار إلى أنه اشترى ظرفاً من الدواء يحوي على 10 حبات فقط، وبسعر مرتفع، في حين كان الدواء أثناء بيعه في عبوات يحوي على 20 حبة وبسعر أقل، مؤكداً أن بعض الصيدليات أصبحت تتلاعب بالأسعار وبكميات الدواء، فقد لاحظ وجود العديد من التشطيبات على السعر المدون على عبوة الدواء في حال كان للدواء عبوة، مما يؤكد أن الصيدلي يقوم في كل فترة بشطب سعر الدواء ورفعه دون خفضه، برغم أن وزارة الصحة حددت أسعار الدواء وفق نسب أسعارها، ولكن يوجد العديد من الصيادلة غير ملتزمين بهذا الأمر ويقومون باستغلال احتياجات المرضى ورفع أسعار الدواء.
المستودعات تفرض على الصيدلي رفع الأسعار
أكد فارس الشعار، رئيس نقابة صيادلة سورية، في تصريحه لـ(النور)، أن الصيدلي يواجه مشكلة مع المستودعات التي تقوم بتوزيع الأدوية، مشيراً إلى أن المستودعات تقوم بفرض نسبة زيادة على أسعار الدواء تصل إلى نحو 8% على الصيدلي، وبالطبع هذه النسبة تقتطع من نسبة ربح الصيدلي، مما قد يدفع الصيدلي إلى رفع سعره من أجل أن يقوم بتعويض النسبة التي دفعها للمستودع ثمناً للأدوية، وذلك لكي لا يعرّض نفسه للخسارة، مع العلم أن قيام الصيدلي برفع أسعاره دون السعر المحدد له يعتبراً أمراً مخالف.
وأشار الشعار إلى أن المستودعات لا تقوم بتزويد الصيادلة بأي فواتير، ونقابة الصيادلة لا تملك صلاحيات من أجل محاسبة المستودعات أو إيقاف هذه الظاهرة، وهي من مسؤولية وزارة الصحة، لافتاً إلى أن النقابة قامت سابقاً بتوجيه كتاب إلى وزارة الصحة لوضع حد لهذه الممارسات، إلا أن الكتاب لم يلقَ أي تجاوب. ونبه إلى أنه نتيجة لذلك فإن المواطن يرى أن بعض الصيدليات يتوفر بها دواء معين، في حين أن بعضها الآخر لا يوجد فيها أدوية معينة، وذلك وفق قدرة الصيدلي على الدفع للمستودعات، وهذا أيضاً ما يفسر اختلاف أسعار الأدوية من صيدلية إلى أخرى وللدواء نفسه، مشيراً إلى أن الصيادلة لا يقومون برفع أسعار الأدوية.
وأكد نقيب صيادلة سورية أن الصناعة الدوائية تفتقد غياب التعاون بين مجمل الأطراف القائمين عليها.. وسأل الشعار: (أين وزارة الصحة من محاسبة المخالفين في الصناعة الدوائية؟)، مشيراً إلى أن هناك بعض أصناف الدواء رابحة ولا داعي لرفع أسعارها، إلا أن وزارة الصحة قامت برفع أسعارها.
ولفت الشعار إلى أن الصناعة الدوائية عانت من قرارات يمكن أن نطلق عليها بأنها كارثية، مؤكداً أن الدواء لا يشبه أي سلعة أخرى، بل يختلف اختلافاً كلياً، كما أن أي قطاع يحوي ضعاف نفوس، ويوجد بعض الصيادلة يقومون برفع الأسعار وفق مزاجهم وضمائرهم.
وبالنسبة لقضية تغليف الأدوية، وبيعها في الصيدليات دون عبوات، أشار فارس الشعار إلى أن هذا الأمر يعود لوزارة الصحة، ويعتبر قراراً وزارياً.. وكانت حجة وزارة الصحة بأنه لا يوجد قدرة على تغليف الأدوية حالياً ووضعها ضمن عبوات كرتونية، لبيعها في السوق المحلية. وأشار الشعار إلى أن هذا الأمر سهّل عمليات التلاعب بالدواء في العديد من الجوانب، سواء من حيث الصلاحية أو من حيث كمية الدواء ومن حيث العدد الذي يجب أن يتوفر ضمن العبوة، أو من حيث السعر، لافتاً إلى أن الدواء الذي يباع في السوق المحلية لا يحوي على عبوات، ولكن الدواء الذي يُصدّر يحوي على عبوات قائلاً: (كيف تُوفر عبوات للأدوية التي تُصدّر، في حين لا تُوفر للأدوية التي تباع للسوق المحلية؟).
وأكد أن السوق الدوائي المحلي يعتبر بشكل عام مقبولاً، مشيراً إلى أن الأدوية متوفرة، ولكن طالب أن يكون هناك تعاون ومشاركة بين جميع الجهات المعنية بصناعة الدواء.
تعليق
فاعلية الأدوية.. هل من ضابط لها؟
بعد عرض السابق يبقى القول إن سلعة الدواء ليست كغيرها من السلع، وفي كل الأحوال يعتبر عدم الإعلان عن السعر أمراً مخالفاً للقانون، فكيف إذا كان الأمر يرتبط بصحة المستهلك وربما حياته؟ لذا نؤكد أهمية تغليف الدواء ووضع النشرة الخاصة به، لكي لا يُتاح المجال أمام أحد للتلاعب بالصلاحية أو عدد الكبسولات التي يحتويه، كما يجب على وزارة الصحة أن تعمل على ضبط صناعة الأدوية، فقد أصبح الكثير من المواطنين، حتى بعض الأطباء، يؤكدون أن هناك الكثير من الأدوية أصبحت ذات فاعلية منخفضة كثيراً في المعالجة، وهذا الأمر يدل على وجود تلاعب في مواصفات الأدوية المطروحة في السوق. وهنا لا بد لوزارة الصحة من مراقبة الخلطات الدوائية ومتابعة الأدوية المطروحة في السوق والتأكد من مدى مطابقتها للمواصفات الدقيقة.. وكان لانتشار بعض الأدوية التي تسببت بحالات تسمم دليل في ذلك، فقد انخفضت قدرة الدواء على المعالجة، وهذا بالطبع يضر بصناعة الدواء الوطنية التي أصبح لها أسواق عالمية وأصبحت ذات ميزة نسبية داخلياً وخارجياً، وبالطبع تضرر الاقتصاد الوطني، والأهم من ذلك تضرر المستهلك والمريض، لذا على وزارة الصحة أن لا تكتفي بسحب الأدوية المخالفة، بل يجب عليها فرض عقوبات على كل مخالفة تطولها. كما نأمل من وزارة الصحة أن تكثف دورياتها على الأسواق، كما نؤكد أهمية التشاركية في صناعة القرار، وتشكيل لجان مشتركة من أجل تطوير الصناعة الدوائية، والوقوف على مشكلاتها وصعوباتها.
18Feb-2014