الشاب عمران الكامل من مدينة معرة النعمان عرض حياته للخطر إثر لجوئه إلى أحد الصيادلة غير المختصين الذي أخطأ في صرف وصفته الطبية وتبديل دواء القرحة المعدية التي يعاني منها بدواء آخر مميع للدم، فاحمرت عيناه وساءت حالته وتم إسعافه إلى المشفى في آخر لحظة ليشرف الأطباء على علاجه ومراقبة حالته .
الشاب عمران هو واحد من الكثيرين الذين وقعوا ضحية انتشار ظاهرة الصيدليات المخالفة وغير المرخصة التي تدار من قبل أشخاص ليسوا بصيادلة، ولا مختصين ولا يمتلكون شهادات تخولهم العمل بهذا المجال الحساس، مما كان لهذا الأمر آثاره السلبية على الأهالي المؤدية لنتائج وأزمات صحية لا تحمد عقباها .
ينتقد الطبيب عادل العوض من معرة النعمان ظاهرة افتتاح الصيدليات المخالفة التي يعتبرها خرقاً لمهنة الصيدلة فيقول :” زادت الصيدليات المخالفة في السنوات الأخيرة بشكل كبير، وأصبحت الأدوية تباع فيها عشوائياً ما يؤدي إلى أخطاء جمة قد يقع فيها بائعو الدواء دون الأخذ بالحسبان وجود أدوية تتشابه بالاسم ولكنها تختلف اختلافاً كلياً بالمفعول والخصائص، كما أن بعضهم لا ينتبه لمدة صلاحية الدواء، وضرورة فحصه قبل إعطائه للمرضى .”
اشترى أبو عبد القادر من ريف إدلب شراباً للسعال لابنته الصغيرة، وبعد استعماله لعدة أيام دون أن تستجيب الصغيرة لمفعوله، وأثناء تفحص العلبة لاحظ الوالد انتهاء مدة صلاحيته منذ سنة تقريباً، فراجع الصيدلي متهماً إياه ببيع أدوية فاسدة .”
كما يلفت الطبيب إلى أن بائعي الدواء يعمدون إلى بيع الأدوية دون وصفة طبية وبأخطاء قاتلة في كثير من الأحيان متناسين أن الأطباء يصفون الدواء للمريض بعد الكثير من الفحوصات والتحاليل المخبرية ومعرفة العمر والوزن، لأن التعامل مع الأدوية يجب أن يكون دقيقاً حتى لا يصبح سماً قاتلاً عند حصول أي اختلاطات، وخاصة أن ٨٠ بالمئة من الأدوية السورية لايجوز بيعها دون وصفة طبية .
وهذا ما يلتزم به الشاب كمال الشواف من معرة النعمان الذي تخرج من معهد اللغة الإنكليزية ليعمل مساعد صيدلي في إحدى صيدليات المدينة، مؤكداً بأنه يعطي الدواء دون وصفة طبية إذا كان المرض بسيطاً كالرشح أو الإسهال، أو في حال كونه مكرراً كأدوية الضغط والسكري، أما إذا كان المرض خطيراً فيمتنع عن إعطاء الدواء ناصحاً المريض بالذهاب لطبيب مختص .
كما يستنكر الطبيب العوض قيام بعض العاملين في الصيدليات بوصف أصناف من الأدوية لايصفها الأطباء للمرضى إلا عند الضرورة القصوى كالأدوية النفسية والأدوية المخدرة مثل (البالتان- الترامادول) التي انتشر بيعها في الآونة الأخيرة على نطاق واسع .
أبو علي من معرة النعمان يتحدث لـ “صور” عن معاناته من هذه الظاهرة قائلاً :” لاحظت أن أخي مدمن على دواء اسمه ( ترامادول ) الذي حصل عليه من إحدى الصيدليات على أنه مسكن للألم، وعند قيامي بسؤال أحد الأطباء أكد بأن الدواء يندرج تحت قائمة الأدوية المخدرة ولايجوز بيعه إلا بموجب وصفة طبية لأنه يؤدي إلى الإدمان .”
الصيدلاني أحمد العمر من قرية تلمنس بريف إدلب يحصر المشكلة في ممتهني الصيدلة الذين لا يحملون شهادة تخولهم من بيع الدواء ووصفه للمرضى مشيراً إلى أن هدفهم هو الربح المادي دون أي اكتراث بحياة الناس مما جعل الصيدليات أشبه بدكاكين لبيع الأدوية، فقد أصبح أي شخص يمتلك خبرة ولو بسيطة بهذا المجال يعمد إلى فتح صيدلية وعن ذلك يقول :” يقوم بفتح الصيدليات المخالفة عادة طلاب الصيدلة الذين لم يكملوا دراستهم أو ممرضون يكون لديهم معرفة ببعض أسماء الأدوية ولكنهم لا يتقنون اللغة الإنكليزية وغير ملمين بالتركيبات والاختلاطات الدوائية والتأثيرات الجانبية للأدوية .”
ويلفت العمر إلى أن تفاقم هذه الظاهرة جاء نتيجة هجرة الكفاءات العلمية وأصحاب الشهادات من أطباء وصيادلة الذي جعل من النادر أن نجد صيدلانياً يمارس عمله، كما انتشرت أيضاً ظاهرة تأجير الشهادات لأشخاص لم يدرسوا الصيدلة، حيث يعمد الصيادلة إلى ذلك إما لسفرهم خارج البلاد أو بسبب انعدام الأمان ووجود صيدلياتهم في مناطق الاشتباكات والمعارك مما يجعلهم يؤجرون شهاداتهم مقابل مبالغ مالية .
كما يشير العمر خلال حديثه لـ “صور” إلى أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة وانتشار الفقر وقلة فرص العمل يجعل الكثير من الأهالي يلجؤون إلى الصيدليات مباشرة دون الذهاب إلى طبيب مختص بسبب ارتفاع أجرة المعاينة إلى حد يفوق قدرة المواطنين الذين يقبع معظمهم تحت خط الفقر .
أم عامر من قرية التح بريف إدلب تلجأ إلى إحدى الصيدليات المخالفة رغم علمها بأن صاحبها لا يحمل شهادة صيدلة مبررة ذلك بقرب الصيدلية من منزلها وانخفاض أسعار الأدوية فيها مقارنة مع غيرها، كما تحصل منها على الحليب لطفلتها بأسعار رخيصة باعتباره صنفاً غير مخصص للبيع يقدم للمحتاجين كمساعدات إغاثية، لكن الفقر وضيق الحال يضطرها لذلك بحسب تعبيرها .”
لم يكن أبو أحمد من معرة النعمان يعلم بأنه سيهدد حياة ولده بالخطر عندما لجأ إلى أحد الصيادلة غير المختصين في المدينة لعلاج ولده البالغ من العمر سنة واحدة من الزكام، لكن الصيدلي منحه دواءً خاطئاً أدى إلى ازدياد مرضه، وعن ذلك يتحدث قائلاً:” قام الصيدلي بحقن الصغير بإبر عبارة عن خليط من أدوية ( الديكسا والديكلون والروسيف ) لمدة خمسة أيام، فبدأت حالة ولدي تسوء شيئاً فشيئاً انتهت بإصابته بذبحة إنتانية حسب طبيبه، حيث قمنا بإسعافه إلى المشفى لتلقي الأرذاذ والمراقبة من قبل الأطباء إلى أن استقرت حالته .”
أمام خطورة هذا الوضع قامت مديرية صحة إدلب الحرة بوضع خطة عمل وفق جدول زمني لمعرفة الصيدليات المخالفة المفتوحة دون إدارة صيدلي فيها أو الصيدليات والمستودعات التي يديرها صيادلة غير مرخصين في إدلب وريفها، وعن ذلك يتحدث الطبيب علاء أحمدو مدير قسم الرقابة الدوائية في مديرية الصحة في إدلب قائلاً:” بهدف تنظيم عمل الصيادلة بدأنا العمل في مدينتي إدلب وأريحا من خلال توجيه إنذارات لكافة الصيدليات المخالفة التي بلغ عددها ٢٢ صيدلية للقيام بتسوية أوضاعهم وترخيص صيدلياتهم وفق الشروط والقوانين التي تم اعتمادها من قبل مديرية الصحة خلال مدة أقصاها أسبوعين، حيث استجابت ١٤ صيدلية فيما تم إغلاق ٨ صيدليات بالشمع الأحمر بالتعاون مع إدارة مدينة إدلب والجهات التنفيذية فيها، وانتقلنا بعد ذلك لمتابعة تنفيذ الخطة على باقي المناطق تباعاً وفق مخطط زمني لتشمل محافظة إدلب بالكامل .”
لم يعد أهالي إدلب يثقون بالصيدلي ليعطيهم الأدوية الملائمة لأوجاعهم بعد انتشار الصيدليات المخالفة بإدارة أشخاص لا علاقة لهم بالطب أو الصيدلة،
فالدواء سلاح ذو حدين فقد يكون علاجاً للأمراض وقد يكون سماً قاتلاً نتيجة عدم دراية الأشخاص الذين يبيعون الدواء ويتعاملون معه، مما يؤثر على المواطن الذي يكون الضحية الأولى لذلك .
12 – November – 2017