Warning: Undefined array key "rcommentid" in /customers/6/5/f/pcm.me/httpd.www/wp-content/plugins/wp-recaptcha/recaptcha.php on line 348 Warning: Undefined array key "rchash" in /customers/6/5/f/pcm.me/httpd.www/wp-content/plugins/wp-recaptcha/recaptcha.php on line 349

المناوبات الليليّة بدون حماية… تحت طائلة التشبيح والسرقة

سوريا

إذا انقطعت ليلاً… مشكلة
فاطمة، من سكّان الميناء، زوجها مسافر، حملت إبنها ذا السنة، في وقتٍ متأخّر ليلاً، تبحث عن دواءٍ مخفّضٍ للحرارة بعد ان انقطعت منه، جابت كلّ الشوارع مشياً، دون جدوى. إلى أن وصلت لبيت إحدى صديقاتها وطلبت منها الدواء.
وذاك حسن من سكّان القبّة، أتته نوبة الكلى ليلاً، وكان الدواء قد نفذ، فبدأت العائلة تنتشر في شوارع منطقته بحثاً عن دواء، إلى أن استطاعوا أن يتّصلوا بصاحب إحدى الصيدليات ففتحها لهم وأعطاه الدواء.

غير مخصّص للبيع
أمّا سمير فقال إنّ الصيدليّ في منطقته (التلّ)، ظلّ يصرّ أن يعطيه دواءً معيّناً بعد أن تذمّر من سعر الدواء الذي وصفه له الطبيب، ليكتشف لاحقاً أنّه غير مخصّصٍ للبيع، ومرّت عليه سنتان داخل مستودعه. في حين يعتبر جهاد أنّه يفتّش “بالسراج والفتيل” عن صيدليّةٍ “تسايره بسعر أدوية وعلب حليب أولاده الأربعة، وإلا أفلس.

لا ألعب بصحّة أولادي
في منطقة التبّانة الفقيرة، التقينا الصيدليّ وائل أحمد، وفي الصيدلية رأينا كيف جاءه شابٌّ يريد إرجاع الدواء بعد أسبوعين من شرائه مدّعياً أنّ أمّه (التي رآها وائل قبل يومين) دخلت المستشفى منذ عشرة أيّامٍ. وتلك امرأةٌ تترجّاه أن يعطيها دواء الالتهابات لابنتها ليوفّر عليها كشفيّة الطبيب، وها هي أمّ لخمسة أولاد، تدخل تشتري الدواء دون أن تنبس بكلمةٍ علماً أنّ سعره كان مرتفعاً. نظر إلينا وقال: “بعد خبرة 18 سنة، أجد أنّ الصدق هو الأساس، فحتّى هذه المنطقة الفقيرة يذهب 99% من الناس للصيدليّ الذي يثقون به، وليس الى ذلك الذي يعطيهم الدواء بسعرٍ أقلّ. بعض الناس تتديّن لتشتري الدواء من مكانٍ تثق به كهذه المرأة، شهريّة زوجها لا تتعدّى السبعمئة ألف ليرة، لكنّها لا تلعب بصحّة أولادها”. مضيفاً: “لا نفتح ليلاً. ففي التبّانة أحياناً نخاف أن نفتح نهاراً”.

المهمّ الأخلاق
أصرّ صاحب إحدى صيدليّات الزاهريّة، على أن “ليس كلّ صيدليٍّ يبيع دواءً بسعرٍ أقلّ من الرأسمال سيبحث عن مصادر غير شرعيّة. هذا نوعٌ من المنافسة والمضاربة، ألا تقدّم مستشفياتٌ أسعاراً متفاوتة فيما بينها وكذلك كشفيات الأطبّاء؟ لذلك ما من مانع إنسانيّ وأخلاقيّ للحسم من سعر الدواء، المهمّ أخلاقيّات وضمير الصيدليّ أن يعطي الدواء المناسب أو يركّبه. وبالنسبة للمناوبة الليليّة نسيناها منذ زمن”. خلال تواجدنا، دخل مريضان يشرحان للصيدليّ وجعهما، فوصف لهما الدواء “المناسب”، دون كشفٍ ولا فحصٍ ولا معاينة.

لا يقصدنا إلا المقطوع
إحدى الصيدليّات في القبّة تشتكي الوضع الأمنيّ على الطرقات واستحالة فتح أبواب الصيدليّة بعد السابعة، لم يذكر اسمه، لأنّ صاحب الصيدليّة مسافر والمناوب انتهى دوامه. يمتعض من سوق الحليب “المنزوع” قائلاً: “ضربتنا إحدى الصيدليّات الكبيرة في المدينة، فلا نشتري إلا كميّة قليلة من الحليب لأنّه لا يقصدنا إلا (المقطوع). وخلال وجودنا، دخلت إحدى السيّدات، قائلةً: “يا أبو علاء، “نبيل” أعطاني الدواء بأقلّ من سعرك بـ5000 ليرة، هل تضحك عليّ؟”. ارتبك أبو علاء الذي لم يكن يحبّ أن نعرف اسمه، فاختصر علينا أن نسأله إن كان يجري الحسم على الدواء. لكنّه قال: “ما الذي أزعج الدولة من أن نساعد الناس ونخفّف لهم السعر. الصيدليّ بالنهاية تاجر، وينبغي أن يتمتّع بهامش من الحرّيّة في البيع”.

أجرك عند الله
في المقابل ابتسم (ب. ن)، صاحب صيدليّة في بور سعيد في الميناء، عندما شرحنا له موضوع تحقيقنا، وكأنّه يقول: “أتيتم في الوقت المناسب للرجل المناسب”، بدا غاضباً من حال الصيدلة هذه الأيّام، قائلاً: “يأتيك الفقير والمتسوّل أحياناً ويشحذ منك الدواء، أترجّاهم بالتوجّه للمستوصفات حيث توزّع الأدوية مجّاناً، لكنّ الناس على مرّ الزمن باتت ترى الصيدليّ طبيباً وواصفاً للدواء وبائعاً له… إذا أنا بخّست بسعر الدواء سأفتّش عن طريقة أخرى لأكسب، وهنا المريض سيدفع الثمن”. تكرّرت على لسان الصيدلي المذكور مسألة بيع إحدى الصيليات الحليب بسعرٍ أقلّ من السوق، طارحاً علامة استفهامٍ كبيرة.

تشبيح وبازار مناوبة
أمّا في موضوع المناوبات الليليّة فذكّر ناجي بمعاناتهم، “كان يدخل علينا الزعران يشبّحون أدوية الأعصاب لتعاطيها، ولم نستطع أن نقول لهم شيئاً. ومنذ شهرين سُحبت الحماية من أمام الصيدليّات والناس لها الله، فلتبحث عن صيدليّاتٍ من بعد الساعة الثامنة، تفتح 24 ساعة لأنّنا فعلاً لم نعد بمأمن لا من السرقات ولا من التشبيح والزعرنات، خصوصاً أنّ الوضع الأمنيّ برمّته ليس على ما يرام. وعندما جلسنا كصيادلة معاً للاتّفاق وتوزيع الأدوار ليلاً بشأن المناوبات، بدأ البازار، فهذه صيدليّة تدّعي أنّها لا يمكنها في هذا اليوم لأنّ الزبائن فيه قليلة، وأخرى زبائنها لا تقصدها إلا نهاراً وذاك وهاتاك… (ففرطت)”.

ستدفع الثمن
لسان حال الصيدليّات كافّةً هو واحد، فصيدليّة “الشيخ” في شارع عزمي، قالت بكلامٍ مختصرٍ جدّاً: “لا قانون يحمينا، ولا نبيع إلا بالقانون، البعض يتاجر بالمهنة، والمريض هو الضحيّة. ولم يعد بمقدورنا أن نفتح أبواب الصيدليّة ليلاً”. أمّا صيدليّة “الشفاء الجديدة” في أبي سمراء، فتقول: “خسرنا الكثير من الزبائن لأنّنا نطبّق القانون لكنّ دواءً مزوّراً أو مغشوشاً بيع لمريضٍ موفّراً على جيبته حفنةً من المال، سيدفع أضعاف أضعافه في حال أذاه الدواء”، مؤكّداً أنّه في حال اضطرّوا لفتح الصيدليّة بوقتٍ متأخّر، فإنهم يأخذون كلّ الإجراءات الاحتياطيّة كإقفال الباب وفتحه عند الحاجة وما إلى هنالك.

شركات الأدوية أسقطت الصيدلة
النائب السابق الدكتور اسماعيل سكّريّة، يشرح: “مهنة الصيدليّ هي مهنة طبّيّة وليست ربحيّة. وبالتالي ليس الهدف تحقيق الربح بل خدمة المريض في بيعه الدواء المناسب. والصيدليّ هو المجاز والحاصل على شهادة مزاولة المهنة وعضوٌّ في النقابة، وينبغي توفّر مسافة أقلّها 300 متر بين الصيدليّات. رسالة كلّ صيدليّ هي تركيب الدواء، ولكن مع استفحال نفوذ شركات الأدوية، وإغراء الصيادلة بتقديمات العروضات، ما أسقط العديد من أخلاقيّات الصيدلة ورسالتها الأساسيّة، وحوّل الصيدلي لتاجر. بعض الأدوية للصيدلي الحرّيّة في إعطائها تسمّى OTC كالأمراض الجلديّة مثلاً. ويمنع إعطاء أدوية الضغط والالتهابات والسكّري والالزهايمر والشرايين والهرمونات والأعصاب. فعندما تعطين الصيدليّ حقّه سيحاول المتاجرة بصحّة الإنسان بوصفه له الدواء الذي يستفيد منه المريض، ولكن 65% من الصيادلة يعملون كطبيب. ولكن لو علمت الناس أنّه قد يعرّض حياته وحياة أولاده للخطر، لما فعل ذلك”.

فضيحة وجريمة
وعن المناوبة قانوناً يقول سكّريّة: “فضيحة عدم وجود صيدليّة مناوبة ليلاً في كلّ منطقة جريمة بحقّ الإنسانيّة، مهما كانت الأسباب. أساليب عدّة لحماية الصيدليّات من الدولة والبلديّات وربّما الجيش. والمناوبة هو الوقت الذي يسمح للصيدليّ أن يفتح صيدليّته، واليوم هناك فوضى في الفتح والإقفال. وعادةً تكون من 8 صباحاً إلى الـ8 مساءً. تقسّم الصيدليّات إلى مجموعات بحسب المناطق. والسبت من الـ8 صباحاً إلى الـ1 ظهراً، ولا يحقّ له الفتح إلا للـ8 من صباح الاثنين. في هذا الوقت من يكون دوره في المناوبة يفتح من الـ8 إلى الـ10 مساءً. والمناوبة الليليّة، أي تلك التي تفتح 24/24، تحتاج لرخصتين، لصيدليّ نهاراً ولآخر ليلاً. وعلى نقابة الصيادلة حسم أمر المناوبة”. وختم سكّريّة أنّه ما المانع أن يحسم الصيدليّ سعر دوائه للفقراء ما دامت أخلاقيّاته جيّدة والدواء مناسب.
يبدو أنّ الطرابلسيّ بات واقعاً بين فكّيّ كمّاشة تجّار السلاح الذين يخطفون يوميّاته، وبين تجّار دواءٍ يقتاتون من صحّته. المواطن وضع الثقة ببائع الدواء ومركّبه، والأخير يضع حياة المواطن في قارورةٍ بعنوان الضمير، فإمّا حيّ وإمّا ميت.

13-Nov-2013