Warning: Undefined array key "rcommentid" in /customers/6/5/f/pcm.me/httpd.www/wp-content/plugins/wp-recaptcha/recaptcha.php on line 348 Warning: Undefined array key "rchash" in /customers/6/5/f/pcm.me/httpd.www/wp-content/plugins/wp-recaptcha/recaptcha.php on line 349

سوق الأدوية وضرورة الإنصات إلى شباب الصيادلة

قبل سنة تقريباً، انطلق شباب نابهون، لديهم رغبة صادقة في تصحيح «الواقع الدوائي» في مصر، تدفعهم.. ليس فقط مصلحتهم الذاتية – ولهم فيها حق جلي لا لبس فيه – إنما أيضاً التصدي لفساد، طالما أوجع أجساد المصريين وجيوبهم – بلا رحمة – على مدار سنوات طويلة.

فكرة هؤلاء الشباب.. تقوم على معادلة بسيطة؛ تقول: «خريجو الصيدلة أولى بالصيدليات»، وذلك رداً على توسع أصحابها، في الاستعانة بمن ليسوا مؤهلين للتعامل مع عالم الأدوية، على تعقيده الشديد، لأنهم أقل أجوراً، وأكثر طاعة في مخالفة القوانين، ومن السهل التخلص منهم إذا لزم الأمر، لأنهم لا نقابة تحميهم، ولا معرفة حقيقية تُبقيهم.

اتصل بي هؤلاء الشباب، راغبين في أن أساعدهم في الوصول بقضيتهم إلى الرأي العام، لا سيما أن كل شيء إيجابي يطرأ على صناعة الأدوية وتوزيعها، هو لصالح الناس أجمعين. وعرفت منهم أنهم قد يسعون إلى أن تقف كل المؤسسات والجهات المعنية.. إلى جانب مطلبهم الواضح العادل، ومنها مجلس الوزراء.. ووزارة الصحة.. ومجلس النواب.. والرقابة الإدارية.. والمجلس الأعلى للإعلام. وقد خاطبوها بالفعل، لكنها لم تستجب، باستثناء طلب إحاطة تم تقديمه في البرلمان، ووقع عليه 25 نائباً، لكنه لم يناقش إلى الآن، بينما نوقش الموضوع على صفحات الجرائد، وشاشات التلفاز؛ على استحياء لا يتناسب مع خطورته، وعلاقته المباشرة باحتياجات الناس، على اختلاف قدراتهم المادية.

يحدث هذا.. رغم أن تجريم ما يجري في الصيدليات.. واضح كشمس ظهيرة صيف قائظ؛ حيث إن قانون مزاولة مهنة الصيدلة 127 لسنة 1955، ينص في مادته 78، على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين، وبغرامة لا تزيد على مائتي جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من زاول مهنة الصيدلة بدون ترخيص، أو حصل على ترخيص بفتح مؤسسة صيدلية بطريق التحاليل، أو باستعارة اسم صيدلي. ويعاقب بنفس العقوبة، الصيدلي الذي أعار اسمه لهذا الغرض، ويُحكم بإغلاق المؤسسة موضع المخالفة، وإلغاء الترخيص الممنوح لها».

وتأتي المادة 79 لتكمل الطريق، إذ تنص على أنه «يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة؛ كل شخص – غير مرخص له في مزاولة المهنة – يعلن عن نفسه بأي وسيلة من وسائل النشر، إذا كان من شأن ذلك أن يحمل الجمهور على الاعتقاد، بأن له الحق في مزاولة مهنة الصيدلة، وكذلك كل صيدلي يسمح لكل شخص غير مرخص له في مزاولة مهنة الصيدلة، بمزاولتها باسمه.. في أي مؤسسة صيدلية».

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن القانون ينظم.. حتى أحوال العاملين داخل الصيدليات، وليس فقط الصيادلة الحقيقيين. فالمادة 25 تفرض على «العمال والعاملات – الذين يشتغلون بالمؤسسات الصيدلية، أو بتوصيل الأدوية – أن يحصلوا على ترخيص بذلك من وزارة الصحة العمومية، بعد تقديم شهادة تحقيق شخصية وصحيفة عدم وجود سوابق، على أن يكونوا ملمين بالقراءة والكتابة، كما يخضعون للقيود الصحية التي يقرها وزير الصحة العمومية».

ويريد شباب الصيادلة تعديل هذا القانون – الذي تجاوز الزمن بعض مواده – لكنهم يخشون من هذا، في ظل الوضع التشريعي المختل إلى حد كبير، وبذا يكتفون الآن بتفعيل القانون الحالي، وإلزام أصحاب الصيدليات بعدم تشغيل من ليسوا خريجي كليات الصيدلية بدلاً من الصيادلة، ليس كعمال أو مساعدين – وهو أمر لا غضاضة فيه – لكن كصيادلة كاملين، رغم أنهم لم يؤهَّلوا لهذا أبداً.

سوق الدواء تصمها – وتضنيها – اختلالات عدة، منها غش الأدوية، ووجود بعض منها مجهولة المصدر، وتخزينها في أماكن غير ملائمة، وإعادة تدوير ما شارف منها على انتهاء صلاحيته، وعدم كفاءة المادة الفعالة في بعضها، وامتلاك بعض الصيادلة لأكثر من صيدليتين.. تحملان الاسم نفسه، وبيع بعض الأطباء الأدوية في عياداتهم الخاصة، وقيام بعضهم بتحويل مرضاهم إلى فئران تجارب، لحساب شركات الأدوية، في عمل غير قانوني وغير أخلاقي.

وقاد هذا.. إلى تفشي كثير من الأمراض المزمنة؛ حيث ترى بعض التقديرات، أن السبب الحقيقي لإصابة نصف مرضى الفشل الكلوي في مصر، يعود إلى سوء استخدام الأدوية. كما أظهر مسح عينة – مكونة من سبعمائة مدمن في أحد المستشفيات – أن نصف مرضى العينة تقريباً، سقطوا في الإدمان.. عبر صيدليات لا يديرها صيادلة.

واعترف بعض السائقين – عقب حوادث مروعة – أنهم حصلوا على «برشام» من صيدليات معينة.

يزيد على هذا.. ما يعوق المفتشين على الصيدليات، من أداء مهمتهم على الوجه الأكمل. وهي مسألة قدّم بشأنها الشباب مذكرة إلى وزارة التنمية المحلية، كي توجّه المحافظين إلى تمكين هؤلاء المفتشين، من العمل بالطاقة الواجبة. ومذكرة أخرى لهيئة الرقابة الإدارية؛ بغية زيادة عدد المفتشين، والحرص على كفاءتهم، وضمان عدم تضارب المصالح، نظراً لامتلاك بعضهم صيدليات بالفعل. وثالثة إلى نقابة الصيادلة؛ كي تقوم بدورها، في حماية أعضائها من عسف أصحاب الصيدليات، وهروبهم من تطبيق القانون، مقدمين ذرائع غير مقبولة.

إن مطلب شباب الصيادلة لا يخصهم وحدهم، إنما هو مطلب لنا جميعاً، فلا يوجد أحد منا لا يكون – طيلة حياته من المهد إلى اللحد – في معاملة ما مع الصيدليات. ومن ثم فإن تصحيح أحد أخطائها – عبر الالتزام بتعيين خريجي كليات الصيادلة فيها – هو منفعة عامة؛ يجب ألا يفرط فيها عاقل، ولا تستهين بها حكومة، لا سيما مع تفاقم الاختلالات في الواقع الدوائي، التي هي في حاجة إلى جهد جهيد، كي تتوفر حماية المصريين من أحد الأبواب الواسعة التي تهدد حياتهم.

03 – September – 2019